من رحم البهجة تنبثقين .. تلتحفين شتاءآ ، تنسال قطرات مطره من بدنك السمهرى ، المتطهر دومآ من لفح الأيام و قسوتها ، و من غبار دورات السنين .
كربات الأساطير تحملين على أكتاف عظمتك ، سحرآ أزليآ ، و عبقآ تضمخت به قلوب و جباه من عشقوك ، و من حلموا بك كيانآ عبقريآ ازدان فى آفاقهم حلمآ مراودآ ..
يستعصى على مخيلة من ليس له سبيل للعشق و التفرد ، منذ جذب سحرك الخبوء ، المقدونى العنيد ،الذى دانت له ربوع الأرض ؛ فأبى الا أن تكونى عظمته المتفردة ، و درة تاجه التى ينسال منها الكبرياء القادر ، و عظمة الخلود ، و سرمدية عبير لا ينفد .
حين يئن العالم تحت وطأة غيم باطش ، و زمهرير قارس .. تحتضنين أنت شتاءك ، على دفء يجتاح قلبك ، و قلوب مريديك .. عشاق دفئك السرمدى ، منذ مدت أشعة شمسك الخالدة أوردتها فى نسيجك ، و انبسطت فى أرجائك ، فهى ان غابت عن الكون ، فلا تغيب عن قلوب مريديك ،
منذ اببلاج فجر محبتك و تغتسل نواصيك الشوامخ ،
بمطر ، بماء عطر خالص ..
ربما تتواطأ معه هادرة ، و ربما تهدأ له أمواج بحرك و تخشع ؛ لتشهد اغتسال الروح و البدن .. فتصير القلعة الشمّاء أكثر بهاءآ و نصاعة ، كما لو كانت أبان عصرها
( ألا ترين أن العصور تدول ، و أنت كما أنت ؟ )
يبدو سعد زغلول فى موقفه الشاهد ، و المشير نحو بحرك .. نحو الصفاء ، متحررآ من أسره ، تاركآ النسيم الحانى الرطب يداعب قلبه المتعب من عناء نضاله و محبسه و منفاه الذى كان ! ..
يسامر الكورنيش ، معانق بهاء بحرك ، و مداعبه ..
و مع السكون الطارد للوجل .. تعانق القلب نفحات عطرك الدائم الممتزج برائحة البحر و رائحة المطر ..وتحلق ارهاصات عشاقك ، مع نوارس بحرك البيضاء الناصعة
، التى صارت حقيقة أجمل من محتوى الحلم الوردى و أنفقى .
تهدهد القلب ترنيمات بيرم ، و دندنات سيد درويش ، و حفيف ضربات فرشاة سيف وانلى يتداخل مع حفيف موجات بحرك بحاجزه ، و يتلون الجو و البحر بلون الفضة المراوغ ، و غلالة النسيم الأنقى تغلف الأرجاءحتى يرتفع آذان المغرب من مئذنة أبو العباس المرسى التى التمعت ، و استطالت على طولها الشامخ .. تبسط نظراتها الحانية على حى الأنفوشى ، و ما تناثر حوله من مقامات العارفين ، و ما فاح من مقامات التصوف و الوجد، و ولع المريدين ، المتضوعة بروائح المسك و الطيب .
يطوف الآذان .. يلملم معه خيوط ليلك المختبئة .. يهدىء النفس .. يبسط على القلب المولع بعشقك ، و ايمانه ، الخشوع و التبتل الخالص ….
حتى يجن ليل الصفاء و الانتعاش ؛ فلا يملك عاشقك المتجدد ، المولود كل صباح ، الا أن يطوف فى شوارع ليل بهجتك المطير ، بتحنان ، المزدانة بوهج الضوء ، و دفء المشاعر ، و لمع المطر .. يتمثل له طيفك الذى لا يغيب ، عروسآ من عرائس بحرك المرمرية .. يصطحبك . يتأبط ذراعك ، و يمضى حالمآ فى انتشائه ، فى انتظار بزوغ جديد لدورة جديدة من دورات تجدد شمسك الأبدية ..